في خطوة إصلاحية تعكس التزام المملكة العربية السعودية بتحقيق العدالة المهنية وتهيئة بيئة عمل إنسانية وجاذبة، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن بدء تطبيق التعديلات الجديدة على المادة 61 من نظام العمل، وذلك اعتبارًا من اليوم. وقد أثارت هذه الخطوة ترحيبًا واسعًا بين صفوف العمالة الوافدة، التي اعتبرتها بمثابة تحول تاريخي ينهي عقودًا من الممارسات غير العادلة في بعض بيئات العمل. وبحسب ما أوردته الوزارة، فإن المادة 61 بنسختها الجديدة تُلزم أصحاب الأعمال بعدم تشغيل العامل بالإكراه، وعدم حجز أجره أو جزء منه دون سند قانوني، وتوجب معاملته بكرامة واحترام تام، دون أي انتقاص من حقوقه الدينية أو الشخصية.
ضمانات قوية ضد التمييز والإجبار
تؤكد المادة المعدّلة على ضرورة احترام كرامة العامل، مع منع أي قول أو فعل يُعدّ مساسًا بكرامته أو دينه، كما تجرّم التمييز في بيئة العمل على أساس اللون أو العرق أو الجنس أو الإعاقة أو السن أو الحالة الاجتماعية. كما تُلزم صاحب العمل بتسهيل عمل الجهات الرقابية وتقديم التسهيلات اللازمة لتنفيذ أحكام النظام دون عرقلة.
توفير السكن والمواصلات أو بدلات نقدية عادلة
تشمل بنود المادة 61 كذلك إلزام صاحب العمل بتوفير سكن مناسب للعمال، أو تقديم بدل سكن نقدي يتناسب مع احتياجاتهم، بالإضافة إلى توفير وسائل نقل آمنة من السكن إلى مكان العمل، أو تعويضهم نقدًا عن ذلك، بما يضمن حفظ كرامة العامل وتوفير احتياجاته المعيشية الأساسية. السعودية تبدأ رسميًا تطبيق المادة 61 من نظام العمل.. تعزيز حقوق الوافدين وتحولات جوهرية في سوق العمل
خطوة إصلاحية داعمة لرؤية 2030 واستراتيجية سوق العمل
تأتي هذه التعديلات ضمن حزمة من الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى تحسين بيئة العمل في السعودية، وتعزيز مكانتها كوجهة مفضلة للعمالة الماهرة عالميًا. وصرّحت وزارة الموارد البشرية أن التعديلات الحالية شملت تعديل 38 مادة، وحذف 7 مواد، وإضافة مادتين جديدتين، بعد دراسات مقارنة مستفيضة مع أنظمة العمل في دول أخرى، ومشاركة موسعة شملت أكثر من 1300 فرد وجهة ذات علاقة. وتتوافق هذه الإصلاحات مع رؤية السعودية 2030 التي تركز على بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع نابض بالحياة، من خلال ضمان تكافؤ الفرص، وتمكين الكوادر البشرية، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص في تنمية سوق العمل المحلي.
تفاعل إيجابي من المجتمع وقطاع الأعمال
أشاد عدد من الخبراء والمهنيين بالقرار الجديد، مؤكدين أنه يمثل نقلة نوعية في ضمان حقوق العاملين وخصوصًا الوافدين، الذين عانوا في السابق من بعض الممارسات المجحفة، خاصة فيما يتعلق بحجز الرواتب، أو التمييز في الترقيات والتوظيف. كما أبدت شركات القطاع الخاص دعمها للتعديلات، باعتبارها توفر بيئة عمل مرنة وعادلة تشجع على الإنتاجية والاستقرار. كما دعا نشطاء في مجال حقوق الإنسان والعمال إلى متابعة التنفيذ الفعلي للمادة 61، وضمان تفعيل أدوات الرقابة والإبلاغ الفوري عن أي انتهاكات، وتعزيز وعي العمال بحقوقهم من خلال حملات تثقيفية واسعة.
نهاية لحقبة “الكفالة الصامتة”
يرى مراقبون أن تطبيق هذه المادة يكرّس إنهاء ممارسات استغلالية كانت قائمة في بعض الحالات، مثل احتجاز الرواتب، ومنع الانتقال الوظيفي، والتمييز الوظيفي غير المشروع، ويمنح العمال الوافدين حرية أكبر في العمل والعيش الكريم، ما يعزز جاذبية سوق العمل السعودي عالميًا. وتُعد هذه الخطوة تتويجًا لمسار من التعديلات والقرارات الجريئة التي أطلقتها المملكة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إلغاء نظام الكفالة، وتمكين العمال من نقل خدماتهم دون موافقة صاحب العمل، والتوسع في الحقوق التأمينية والتدريبية. في الختام، يُنتظر أن تسهم هذه التعديلات في تحسين العلاقة التعاقدية، وتحقيق بيئة عمل متوازنة تحفظ الحقوق وتدعم التنمية، مما يجعل سوق العمل السعودي نموذجًا يحتذى به إقليميًا ودوليًا.