تصعيد الضغوط الأوروبية لوقف الحرب على غزة
تشهد الساحة الأوروبية تحركات متسارعة للضغط على إسرائيل من أجل وقف العمليات العسكرية المستمرة على قطاع غزة، وسط تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الأصوات الدولية المطالبة بإيجاد حل سياسي فوري. وتتصدر المملكة المتحدة، إلى جانب دول أوروبية أخرى، هذه الجهود باتخاذ خطوات ملموسة تعكس تغيرًا جذريًا في السياسات تجاه إسرائيل.
بريطانيا تعلق مفاوضات التجارة وتفرض عقوبات
في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، بعد تصعيد الهجمات في غزة. كما استدعت لندن السفيرة الإسرائيلية تسيبي حوتوفلي، معبرة عن قلقها من أثر العمليات العسكرية على المدنيين. وأكد وزير الخارجية ديفيد لامي أن استمرار هذه السياسات يقوّض فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت بريطانيا عقوبات على كيانات وأفراد متورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، من بينهم جماعة “ناحالاه” الاستيطانية وشركتان للبناء، وعدد من النشطاء والمستوطنين.
تحركات مماثلة من السويد وفرنسا
السويد انضمت بدورها إلى التصعيد الدبلوماسي، حيث أعلنت وزيرة الخارجية ماريا مالمر ستينرغار عزم بلادها الدفع داخل الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، متهمة إسرائيل باستخدام العنف المفرط ضد المدنيين الفلسطينيين.
أما فرنسا، فقد كشفت عن نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال مؤتمر دولي مرتقب في يونيو، تنظمه باريس بالشراكة مع السعودية. وأوضح وزير الدولة الفرنسي جان-نويل بارو أن هذا القرار يعكس التزام بلاده بدعم حل الدولتين كمخرج للصراع المزمن.
دعوات أوروبية وأممية لدخول المساعدات
طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا، ألمانيا، كندا، اليابان وأستراليا، إسرائيل بالسماح الفوري وغير المشروط بدخول المساعدات إلى غزة، عبر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. وجاء هذا في بيان مشترك نُشر على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الألمانية، منتقدًا آلية توزيع المساعدات التي تفرضها إسرائيل، واصفًا إياها بأنها تُعرّض العاملين الإنسانيين للخطر وتخدم أهدافًا سياسية.
من ناحيتها، أعلنت الأمم المتحدة أن تسع شاحنات فقط دخلت القطاع يوم الاثنين، وهو رقم وصفه المنسق الإنساني بأنه “قطرة في محيط”، نظرًا للحصار المستمر منذ أكثر من 11 أسبوعًا.
موقف جماعي: لا لتسييس المساعدات
بيان صادر عن وزارات خارجية 22 دولة أوروبية وأستراليا وكندا ونيوزيلندا شدد على أن سكان غزة يواجهون مجاعة حقيقية، وأنه يجب تسهيل دخول المساعدات بشكل عاجل. ورفض البيان أي ربط للمساعدات الإنسانية بأجندات سياسية أو عسكرية، مؤكدًا ضرورة احترام سيادة عمل المنظمات الدولية.
هولندا تدفع نحو مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية
في خطوة دبلوماسية جديدة، تقود هولندا جهودًا لحشد تأييد أوروبي لمراجعة اتفاقية الشراكة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وتركز المبادرة الهولندية على المادة الثانية من الاتفاقية، التي تنص على التزام الطرفين بحقوق الإنسان. ويسعى وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب إلى الحصول على دعم أغلبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد أبدت دول مثل فرنسا وبلجيكا تأييدها لهذه الخطوة.
ماذا تعني هذه التحركات؟
- تغيير جذري في مواقف القوى الأوروبية تجاه إسرائيل، وتحديدًا في ظل العمليات العسكرية المتواصلة.
- تصاعد الضغوط الدولية لاستئناف عملية السلام عبر الحل السياسي بدلاً من التصعيد العسكري.
- تحرك منسق يهدف إلى كبح جماح الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين وتحسين الأوضاع الإنسانية.
تُشير التحركات الأوروبية المتزايدة إلى تحول كبير في ميزان الضغط السياسي والدبلوماسي تجاه إسرائيل، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لوقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات إلى المدنيين في غزة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الضغوط ستثمر عن تغيير حقيقي في سياسة الاحتلال، أم ستبقى مجرّد محاولات في ظل غياب إرادة دولية ملزمة.