في خطوة مفاجئة ضمن جهود الحد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، أعلن مصرف لبنان المركزي عن اعتماد خطة جديدة تقضي بتقنين سقف السحوبات الشهرية من الحسابات المصرفية، سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأمريكي، ابتداءً من مايو 2025. القرار الذي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط اللبنانية يأتي في وقت حساس تمر فيه البلاد بمرحلة حرجة من التراجع الاقتصادي وتدهور القوة الشرائية وازدياد نسب التضخم.
تفاصيل السقوف الجديدة للسحب النقدي في مايو 2025
وفقًا لما أعلنه المصرف المركزي، تم اعتماد السقوف التالية للسحب من الحسابات المصرفية:
الحسابات بالليرة اللبنانية: الحد الأقصى للسحب الشهري هو 10 ملايين ليرة.
الحسابات بالدولار الأمريكي: الحد الأقصى للسحب الشهري هو 500 دولار.
الحسابات الجارية بالدولار: يقتصر السحب على 300 دولار شهريًا.
وأشار المصرف إلى أن هذه التدابير مؤقتة وقابلة للتعديل وفق ما تفرضه التطورات الاقتصادية الداخلية، وتندرج ضمن حزمة أوسع من السياسات النقدية التي تهدف إلى استعادة الحد الأدنى من الاستقرار المالي في البلاد.
الأسباب الكامنة خلف القرار
يأتي القرار في إطار استراتيجية وطنية لتطويق الانهيار المالي الذي يشهده لبنان منذ عام 2019. وبحسب بيان رسمي، يسعى مصرف لبنان إلى تقليص الكتلة النقدية المتداولة بهدف كبح التضخم، وضبط السيولة، ومنع السحوبات العشوائية التي تُرهق النظام المصرفي الهش. كما تهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على ما تبقى من احتياطي النقد الأجنبي، في ظل ندرة تدفقات العملة الصعبة. مصرف لبنان يفرض سقفًا جديدًا للسحب في مايو 2025.. إجراءات نقدية مشددة وسط أزمة مستمرة
ردود فعل الشارع اللبناني
أثار القرار موجة من القلق والغضب بين المواطنين الذين وجدوا أنفسهم أمام صعوبات إضافية في تدبير شؤونهم اليومية. إذ عبّر كثيرون عن خشيتهم من عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الشهرية، مثل الإيجارات والمصاريف الطبية والمدرسية، في ظل هذا التقييد الجديد الذي يفرضه النظام المصرفي. ويقول سامي، موظف في القطاع الخاص، إن سقف السحب لا يغطي حتى نصف نفقاته الأساسية، مضيفًا: “كنا نعيش على الحد الأدنى، واليوم أصبحنا في وضع يتجاوز حدود القدرة على التحمل.”
التحول نحو الوسائل البديلة للدفع
من جانبهم، أشار خبراء اقتصاديون إلى أن القيود الجديدة قد تساهم في تسريع الاعتماد على وسائل الدفع الرقمية والمحافظ الإلكترونية والعملات المشفرة، كبدائل محتملة للسيولة النقدية. إذ تسعى شريحة متزايدة من اللبنانيين إلى تجاوز القيود المصرفية التي تمنعهم من الوصول إلى أموالهم بحرية. كما توقع بعض المحللين أن تشهد شركات التكنولوجيا المالية في لبنان ازدهارًا ملحوظًا في الأشهر القادمة، نتيجة تزايد الطلب على حلول الدفع غير التقليدية، في ظل التوجه العام للحد من التعاملات النقدية المفرطة.
نظرة مستقبلية: هل تنجح السياسة النقدية في كبح الانهيار؟
رغم أن سياسة تقنين السحوبات تُعد إجراءً ضروريًا لضبط السيولة والحد من الانفلات المالي، إلا أن نجاحها مرتبط بعدة عوامل، أبرزها توافر رؤية اقتصادية شاملة تشمل إصلاحات هيكلية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلى جانب تحسين مستويات الشفافية واستعادة ثقة المودعين. ومع غياب اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، ووجود فراغ سياسي وتشريعي، تبقى الإجراءات المؤقتة مثل هذه بمثابة مسكنات مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة، بل تؤجلها إلى حين توفر حلول جذرية قابلة للتطبيق. ختامًا، يظل الشارع اللبناني في انتظار حلول أكثر عدالة وفعالية تضمن له الحد الأدنى من الكرامة المالية، بعيدًا عن القيود المتواصلة التي باتت تحكم تفاصيل الحياة اليومية للمواطن.