وسط الأزمات المالية المتراكمة التي يشهدها لبنان منذ سنوات، خرج مصرف لبنان بقرار جديد طال انتظاره من قبل شريحة واسعة من المواطنين والمودعين. فقد أعلن المصرف المركزي عن تعديل سياسة السحب النقدي بالدولار، محددًا سقفًا جديدًا يبدأ العمل به اعتبارًا من يونيو ويستمر حتى يوليو 2025، ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى التخفيف من معاناة المودعين وضخ سيولة إضافية في السوق المحلي دون المساس بالحد الأدنى للاحتياطي النقدي.
ما هي تفاصيل التعميم الجديد لسقف السحب؟
أوضح المجلس المركزي لمصرف لبنان، في اجتماعه الدوري الذي عُقد في فبراير 2025، أن السياسة النقدية ستشهد مراجعة شاملة لبعض التعاميم الصادرة في السنوات الماضية، وأبرزها التعميم رقم 158 والتعميم رقم 166، واللذان يتعلقان بحقوق السحب بالدولار.
التعميم رقم 158: بموجبه تمت زيادة الحد الأقصى للسحب النقدي بالدولار من حسابات المودعين إلى 500 دولار شهريًا، بعدما كان هذا المبلغ أقل بكثير سابقًا، ما يسمح للعديد من العائلات بتغطية جزء من نفقاتهم الشهرية بالدولار مباشرة.
التعميم رقم 166: تم تعديله بحيث يحدد سقفًا إضافيًا لشريحة أخرى من الحسابات عند 250 دولارًا شهريًا، مما يوسع شريحة المستفيدين من هذا الإجراء.
مصرف لبنان يكشف تفاصيل سقف السحب النقدي الجديد لشهر يوليو 2025
لماذا قرر المصرف المركزي هذه الخطوة الآن؟
بحسب بيان رسمي صادر عن مصرف لبنان، فإن الدافع وراء رفع سقف السحب النقدي هو تمكين المودعين من الاستفادة من جزء أكبر من ودائعهم الدولارية، والتي كانت مجمدة إلى حد كبير بسبب الأزمة المالية المستمرة. كما يسعى المصرف المركزي من خلال هذه الخطوة إلى:
زيادة القدرة الشرائية للمواطنين بما يتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار اليومية.
ضخ المزيد من النقد الأجنبي في الأسواق المحلية لدعم الحركة الاقتصادية.
إعادة بناء جسور الثقة بين المودعين والجهاز المصرفي الذي تعرض لهزة قوية خلال السنوات الأخيرة.
إعطاء بصيص أمل بأن هناك توجهًا لإصلاح القطاع المصرفي بشكل تدريجي ومدروس.
كيف سيؤثر القرار على الأوضاع المعيشية؟
لا يُعد رفع سقف السحب حلاً جذريًا للأزمة النقدية التي يواجهها لبنان، لكنه خطوة عملية مهمة في ظل الظروف الراهنة. إذ يرى خبراء اقتصاديون أن ضخ المزيد من النقد الأجنبي، حتى ولو بشكل محدود، من شأنه أن يُحرك السوق قليلًا ويخفف من الضغوط اليومية على الأسر اللبنانية التي تعاني من فجوة كبيرة بين الدخل والمصروفات. كما يساهم القرار في تقليل لجوء المواطنين إلى السوق السوداء للحصول على الدولار، وبالتالي يحد من الممارسات غير الرسمية التي تفاقم الأزمات المالية.
خطوات متابعة حقوق السحب النقدي بالدولار
شدد مصرف لبنان على ضرورة أن يراجع كل مودع تفاصيل حسابه مع البنك الذي يتعامل معه للتأكد من التزام الأخير بتطبيق التعديلات الجديدة بشكل دقيق. ويمكن للمودعين متابعة مستحقاتهم عبر الخطوات التالية:
الاتصال بخدمة العملاء في البنك المعني للاستفسار عن المبالغ المسموح بسحبها شهريًا وفق التعاميم المعدلة.
زيارة الفروع عند الضرورة، مع إحضار الوثائق الثبوتية لتحديث البيانات إن لزم الأمر.
الاطلاع على الموقع الرسمي لمصرف لبنان لمتابعة أي مستجدات تتعلق بسياسة السحب والسيولة النقدية.
تحديات مطروحة على المدى القريب
رغم الترحيب النسبي من شريحة كبيرة من المواطنين بهذا القرار، لا تزال التحديات قائمة. إذ يتطلب الأمر جهودًا مكثفة من السلطات النقدية والحكومة لإيجاد حلول جذرية تضمن استدامة السياسة النقدية واستقرار سعر الصرف وتعافي الاحتياطي النقدي. كذلك، تبقى مسألة إعادة هيكلة القطاع المصرفي من الأولويات التي لا تحتمل التأجيل، وذلك لضمان عدم تكرار الأزمات ولإعادة بناء الثقة بالكامل بين المودع والمصرف.
ختامًا.. ماذا ينتظر المودعون؟
تُشكل خطوة رفع سقف السحب النقدي بالدولار فرصة مؤقتة للمواطنين لتغطية بعض التزاماتهم الأساسية، لكنها في الوقت ذاته مؤشر إلى نية مصرف لبنان المضي قدمًا في مسار إصلاحي يحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية والمصرفية. وحتى يتحقق الاستقرار المالي الحقيقي، يبقى الأمل معقودًا على استمرارية القرارات الإصلاحية والتزام البنوك بتنفيذها بشفافية تامة.