غزة تختنق .. كارثة بيئية وصحية تهدد حياة الملايين
في ظل استمرار الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023، تعاني أكثر من مليوني نسمة من أزمة بيئية وصحية غير مسبوقة. التدمير الهائل للبنية التحتية، وتلوث مصادر المياه، والانهيار الكامل لنظام الصرف الصحي، يُنذر بانفجار صحي شامل في القطاع.
أزمة المياه: شح وتلوث يُهددان الحياة
وفقًا لبيانات طبية، ارتفعت نسبة التلوث البكتيري في المياه من 4% إلى 25% منذ بدء العدوان. ويُعزى ذلك إلى الاعتماد على مصادر غير آمنة، مثل الآبار المتوقفة ومحطات التحلية المعطلة. ويصل استهلاك الفرد اليومي إلى أقل من 5 لترات، وهي كمية لا تكفي للنظافة أو الشرب، مما أدى إلى انتشار أمراض معوية وجلدية في مراكز النزوح، مثل مواصي خان يونس.
عودة أمراض من الماضي
صرّح الدكتور بشار مراد، مدير البرامج الصحية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بأن النزلات المعوية والتهاب الكبد الوبائي A تفشّت مجددًا، بل تم رصد فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي، وهو تهديد خطير في ظل منع دخول اللقاحات الضرورية. كما أكد أن المياه الملوثة المستخدمة في الشرب والتوزيع تمثل ناقلًا مباشرًا للأمراض.
الصرف الصحي: تدمير شامل وتلوث البحر والشوارع
توقفت شبكات الصرف عن العمل، وتحولت شوارع غزة إلى مستنقعات للمياه العادمة. ويُضخ ما يقارب 70% من مجاري القطاع إلى البحر دون معالجة، خصوصًا في غزة وخان يونس، مما جعل السباحة أو صيد السمك من الشاطئ خطرًا على الصحة.
أزمة النفايات: مكبات عشوائية وتهديد بيئي مضاعف
مع تدمير 80% من مركبات جمع النفايات، أُقيمت 141 مكبًا عشوائيًا، تُخلط فيها النفايات المنزلية مع الطبية. هذه المواقع أصبحت بيئة مثالية لتكاثر القوارض والبعوض، وتنقل الأمراض إلى مراكز الإيواء المزدحمة. كما أن غياب أدوات التعقيم يزيد من مخاطر العدوى.
وقود سام: صناعة خطيرة تهدد البيئة والصحة
نتيجة شح الوقود، لجأ السكان إلى تصنيع وقود عبر حرق البلاستيك، وهي عملية تطلق مركبات شديدة السمية مثل الديوكسينات، التي تُسبب السرطان وأمراض الرئة والكبد. ويتسرب الرماد السام إلى التربة، مما يلوث الزراعة والموارد المائية.
خطر القنابل غير المنفجرة والتلوث الإشعاعي
يحذر خبراء من وجود آلاف القذائف غير المنفجرة، خصوصًا في الأراضي الزراعية والمباني المهدمة. هذه القنابل قد تحتوي على معادن ثقيلة أو مواد مشعة، وتُهدد الحياة عند محاولات الإزالة العشوائية للركام.
تحلل الجثث: تلوث بيولوجي يفوق القدرة
مع وجود آلاف الجثث تحت الأنقاض في ظل حرارة مرتفعة، بدأت الجثامين بالتحلل، مما أدى إلى تلوث بيولوجي خطير، يهدد المياه الجوفية وينذر بكوارث صحية بين النازحين. وتُظهر التقديرات وجود أكثر من 10 آلاف جثة غير مستخرجة حتى الآن.
النداء الأخير: غزة بحاجة لإنقاذ عاجل
دعا الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ البيئة بالجامعة الإسلامية، إلى تدخل دولي عاجل لوقف ما وصفه بـ”الانهيار البيئي الكامل”. وأكد أن الأمر يتطلب فتح المعابر أمام الإمدادات الطبية والبيئية، وتنفيذ خطة شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية، قبل أن يتحول القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة.
ما الذي يمكن فعله الآن؟
- فتح ممرات آمنة لدخول فرق الإنقاذ والمعدات الطبية.
- توفير وحدات متنقلة لمعالجة المياه والصرف الصحي.
- تجهيز فرق مختصة لإزالة الذخائر غير المنفجرة بأمان.
- إطلاق حملة تطعيم عاجلة ضد شلل الأطفال والأمراض المعدية.
- دعم الجهود المحلية والدولية لإعادة تدوير النفايات بطريقة آمنة.
إنقاذ غزة لم يعد خيارًا إنسانيًا فقط، بل ضرورة صحية وبيئية ملحة تهدد المنطقة بأكملها.