في خطوة جريئة تعكس التوجه الحازم نحو إصلاح سوق العمل السعودي، أعلنت الجهات الرسمية عن انخفاض تاريخي في معدلات البطالة داخل المملكة، مدعومة بقرارات ميدانية أبرزها حملات ترحيل غير مسبوقة للعاطلين من المقيمين الأجانب، الذين وُصفوا بـ”غير المرحب بهم”. وتأتي هذه الخطوات ضمن جهود شاملة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 الرامية إلى خفض معدل البطالة وزيادة مشاركة السعوديين في مختلف القطاعات الاقتصادية.
هبوط غير مسبوق في معدل البطالة بين السعوديين
أظهرت أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء تراجع معدل البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 8% في الربع الأخير من عام 2022، مقابل 9.9% في الربع السابق. ويُعد هذا الرقم الأدنى منذ بدء تسجيل البيانات الرسمية في عام 1999، مما يعكس تحسنًا ملموسًا في بيئة العمل وفاعلية البرامج الوطنية لخلق الفرص الوظيفية. وسجل معدل البطالة الإجمالي — الذي يشمل السعوديين والمقيمين — تراجعًا إلى 4.8%، مقارنة بـ5.8% في الربع الثالث من نفس العام، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا على توسع سوق العمل وفاعلية السياسات الحكومية في دفع عجلة التوظيف.
حملات ترحيل للعاطلين من المقيمين.. “غير مرحب بهم”
في ظل التزام المملكة بتوطين الوظائف، أطلقت السلطات حملات مكثفة لترحيل المقيمين الأجانب الذين لا يمتلكون عقود عمل سارية، وتم وصفهم في التصريحات الرسمية بأنهم “غير مرحب بهم”. ويأتي هذا التحرك ضمن سياسة تنظيمية تهدف إلى تقنين سوق العمل وحصر الفرص الوظيفية فيمن لديهم مؤهلات ومساهمات فعلية في الاقتصاد. السعودية تخفض البطالة إلى أدنى مستوياتها وتطلق حملات لترحيل العاطلين من الأجانب ضمن توجهات رؤية 2030
رؤية 2030 وتوسيع قاعدة التوظيف المحلي
يُعتبر خلق فرص العمل ركيزة محورية في رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إذ تسعى الخطة الاستراتيجية إلى خفض معدل البطالة إلى 7% وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على قطاع النفط. ومع وجود أكثر من 60% من السعوديين تحت سن 35، باتت الحاجة إلى تطوير مهارات الشباب وتمكينهم في سوق العمل أمرًا ضروريًا لتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
ارتفاع ملحوظ في قبول العمل بالقطاع الخاص
في تحول ملفت، أظهرت البيانات أن نحو 94.1% من السعوديين العاطلين أبدوا استعدادهم لقبول وظائف في القطاع الخاص، مقارنة بنسبة أقل في الربع السابق. ويعكس هذا التغيير في التوجه الذهني للمواطنين دعمًا فعليًا لمساعي الحكومة في تحفيز النمو الاقتصادي عبر القطاع الخاص.
دور النساء في التحول الاقتصادي
شهدت مشاركة النساء السعوديات في سوق العمل نموًا لافتًا خلال الفترة الماضية، حيث انخفض معدل البطالة بينهن إلى 15.4% في نهاية 2022، بعدما كان 20.5% في الربع الثالث من نفس العام. ورغم انخفاض نسبة المشاركة إلى 36%، إلا أن المؤشرات تؤكد على استمرار التوسع في تمكين المرأة، خصوصًا في قطاعات التعليم، الصحة، والخدمات المالية.
التحديات والفرص في المرحلة المقبلة
رغم هذا التحسن الملحوظ، لا تزال هناك تحديات أمام صناع القرار في المملكة تتعلق بضمان الاستمرارية في خفض معدل البطالة، ومواكبة التحولات السريعة في سوق العمل العالمي. وتبرز أهمية تطوير التعليم المهني والجامعي بما يتماشى مع متطلبات السوق، إلى جانب دعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة التي تمثل محركًا حيويًا للنمو والتوظيف. ويُنتظر أن تسهم الإجراءات التنظيمية الجديدة، بما في ذلك الرقابة على العمالة الأجنبية غير المنتجة، في توفير فرص أكبر للسعوديين، وترسيخ مفهوم العدالة في توزيع الوظائف بما يتماشى مع مصلحة الاقتصاد الوطني.
خاتمة: مؤشرات إيجابية ومستقبل واعد
تؤكد البيانات الحديثة أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافها في تقليص معدلات البطالة وتعزيز مساهمة المواطنين — رجالًا ونساءً — في سوق العمل. ومع استمرار الجهود الإصلاحية، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد السعودي نموًا أكثر شمولًا واستدامة، يعتمد على الكفاءات الوطنية ويحقق طموحات الأجيال القادمة.