في خطوة تعكس توجه المملكة العربية السعودية نحو التحديث الحضري وتحسين جودة الحياة، بدأت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة رسميًا تنفيذ مشروع إزالة حي النكاسة، أحد أشهر الأحياء التاريخية والعشوائية في العاصمة المقدسة. ويأتي هذا التحرك استجابة مباشرة لتوجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضمن استراتيجية إعادة تنظيم الأحياء غير المخططة ودمجها في النسيج العمراني الحديث للمملكة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
حي النكاسة.. بين التاريخ والمكانة الجغرافية
يُعد حي النكاسة، المعروف قديمًا باسم “قوز المكاسة”، من أقدم الأحياء العشوائية في مكة. وتعود تسميته إلى موقعه الجغرافي المرتفع (قوز) الذي كان يُستخدم لجمع الضرائب (المكوس) من الحجاج القادمين من الجنوب. وقد اكتسب الحي أهمية اجتماعية ودينية بسبب قربه الكبير من المسجد الحرام، حيث لا يبعد عنه سوى 1500 متر فقط. ورغم مكانته التاريخية، ظل الحي يعاني لعقود من مشاكل بنيوية وتنظيمية، مثل الاكتظاظ السكاني، والبنية التحتية المهترئة، وانعدام الخدمات الأساسية، مما جعل تطويره ضرورة ملحة. بناءً على توجيهات ولي العهد.. الهيئة الملكية تبدأ إزالة حي النكاسة العريق في مكة المكرمة
تفاصيل مشروع إزالة وتطوير حي النكاسة
بدأت مراحل التنفيذ الأولى للمشروع في يناير 2019، حيث جرى العمل على فصل الخدمات تدريجيًا تمهيدًا لبدء عمليات الهدم، وقد شملت الإزالة أكثر من 4500 عقار في منطقة تُقدر مساحتها بنحو 681,056 مترًا مربعًا. وقد تم تنفيذ المشروع بمراحل دقيقة تهدف إلى ضمان انتقال السكان وتعويضهم وفق آليات واضحة ومعتمدة. وأشارت الهيئة الملكية إلى أن عملية الإزالة ليست مجرد هدم للأبنية القديمة، بل بداية لمرحلة تنموية متقدمة تستهدف بناء أحياء نموذجية، تضم وحدات سكنية متطورة، ومناطق تجارية، ومرافق خدمية وتعليمية متكاملة.
تحول حضري غير مسبوق في أطهر بقاع الأرض
وثّقت الهيئة الملكية عبر صور رسمية مراحل التحول العمراني الكبير الذي شهده حي النكاسة، حيث أظهرت الصور الفرق الشاسع بين الواقع السابق والحالي. فقد تحول الحي من بيئة عشوائية مكتظة إلى منطقة حضارية بتصاميم عصرية تليق بمكانة مكة المكرمة. ويتوقع أن يكون الحي بعد التطوير واجهة حضارية جديدة للعاصمة المقدسة، ومنطقة جذب اقتصادي وسياحي، بفضل موقعه الاستراتيجي وتصميمه العمراني المتقدم.
جزء من خطة شاملة لتحديث المدن السعودية
لا يقتصر مشروع إزالة النكاسة على مكة وحدها، بل يُعد جزءًا من سلسلة مشاريع تستهدف إعادة تأهيل الأحياء العشوائية في مدن مثل جدة، المدينة المنورة، والطائف. وتهدف هذه المشاريع إلى الارتقاء بمستوى الخدمات العامة، وتقليل الفجوة بين المناطق العشوائية والمخططة، وتوفير بيئة معيشية أكثر كفاءة وأمانًا. وبحسب تصريحات رسمية، فإن هذه التحركات تمثل استثمارًا في الإنسان والمكان، وركيزة أساسية من ركائز تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، التي تسعى لتحسين جودة الحياة، وتحقيق تنمية عمرانية متوازنة، وتقليل التكدس السكاني في الأحياء العشوائية.
تفاعل شعبي ودولي مع المشروع
لاقى مشروع إزالة حي النكاسة اهتمامًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أشاد الكثير من المواطنين والمقيمين بسرعة الإنجاز ودقة التخطيط، معبرين عن تطلعهم لرؤية المزيد من مشاريع التطوير الحضري في مدن المملكة. كما رحبت جهات دولية بجهود السعودية في تحسين بيئتها العمرانية بما يتماشى مع المعايير العالمية للتنمية المستدامة. بهذا، تُثبت المملكة العربية السعودية مجددًا التزامها الفعلي بتحقيق تنمية شاملة، تبدأ من الإنسان وتصل إلى أدق تفاصيل البنية التحتية، لتُعيد رسم ملامح مدنها وفق رؤية طموحة تُحاكي المستقبل.
